وزير الخارجية الإيراني لدينا مخاوف من اندلاع حرب أهلية أو طائفية جديدة أو تقسيم سوريا

تحليل تصريحات وزير الخارجية الإيراني حول الوضع في سوريا: مخاوف من حرب أهلية جديدة وتقسيم محتمل

في مقابلة تلفزيونية نشرت على اليوتيوب (الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=_JWT5nFq-n4 )، أعرب وزير الخارجية الإيراني عن قلق بلاده العميق بشأن مستقبل سوريا، محذراً من خطر اندلاع حرب أهلية أو طائفية جديدة، بل وحتى تقسيم البلاد. هذه التصريحات، التي تأتي في سياق إقليمي ودولي معقد، تستدعي تحليلاً معمقاً لفهم دوافعها وأبعادها وتداعياتها المحتملة على سوريا والمنطقة بأسرها.

السياق العام للتصريحات

تأتي هذه التصريحات في ظل جمود سياسي ملحوظ في الملف السوري، واستمرار التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي تواجه البلاد. بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة، لا تزال سوريا مقسمة إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى مختلفة، بما في ذلك الحكومة السورية المدعومة من روسيا وإيران، وقوات المعارضة المدعومة من تركيا، والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، فضلاً عن بقايا تنظيمات إرهابية مثل داعش.

كما تتزامن هذه التصريحات مع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة بين إيران وإسرائيل، والتي غالباً ما تتجسد في الساحة السورية من خلال الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، تشهد المنطقة حراكاً دبلوماسياً مكثفاً يهدف إلى إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، إلا أن هذا الحراك يواجه عقبات جمة بسبب الخلافات العميقة حول شروط هذا الاندماج، وملفات مثل عودة اللاجئين، والمحاسبة على جرائم الحرب، والوجود الأجنبي في سوريا.

تحليل مضمون التصريحات

تصريحات وزير الخارجية الإيراني تتضمن عدة نقاط رئيسية تستحق التوقف عندها:

• المخاوف من حرب أهلية جديدة: هذا التحذير يعكس قلقاً حقيقياً من إمكانية تجدد الصراع المسلح في سوريا، خاصة في ظل استمرار وجود جماعات مسلحة مختلفة، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتأخر الحل السياسي الشامل. يمكن أن تندلع هذه الحرب بسبب تصاعد التوترات بين المناطق المختلفة، أو بسبب استغلال قوى خارجية للفراغ الأمني والسياسي.
• المخاوف من حرب طائفية: هذه النقطة تثير حساسية كبيرة، خاصة وأن الحرب الأهلية السورية شهدت في بداياتها صبغة طائفية واضحة. التحذير من حرب طائفية جديدة يشير إلى أن إيران تخشى من استغلال بعض الأطراف للتناقضات الطائفية الموجودة في المجتمع السوري لإشعال فتنة جديدة، وهو ما قد يؤدي إلى تفتيت البلاد وتعميق الانقسامات.
• المخاوف من تقسيم سوريا: هذا هو السيناريو الأكثر خطورة الذي تطرحه التصريحات. التقسيم يعني نهاية سوريا كدولة موحدة، وتأسيس كيانات سياسية مختلفة قد تؤدي إلى صراعات مستمرة وعدم استقرار دائم في المنطقة. قد يحدث التقسيم نتيجة لفشل الحل السياسي، أو بسبب التدخلات الخارجية التي تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض.

دوافع التصريحات الإيرانية

من المهم فهم الدوافع الكامنة وراء هذه التصريحات، والتي يمكن أن تتراوح بين الرغبة في حماية المصالح الإيرانية في سوريا، والتأثير على مسار المفاوضات السياسية، وإرسال رسالة إلى الأطراف الأخرى الفاعلة في الملف السوري. من بين هذه الدوافع:

• حماية النفوذ الإيراني في سوريا: تعتبر سوريا حليفاً استراتيجياً لإيران، وتلعب دوراً هاماً في مشروع المقاومة الإيراني. تسعى إيران إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا، ومنع أي تغييرات جذرية قد تهدد مصالحها. التحذير من التقسيم يهدف إلى التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا، وهو ما يخدم مصالح إيران.
• التأثير على المفاوضات السياسية: قد تكون التصريحات جزءاً من استراتيجية إيرانية للتأثير على مسار المفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا. من خلال التلويح بخطر الحرب الأهلية والتقسيم، تسعى إيران إلى الضغط على الأطراف الأخرى لتقديم تنازلات، وضمان حصولها على حصة مناسبة في أي حل سياسي.
• إرسال رسالة إلى الأطراف الأخرى: التصريحات تحمل رسالة واضحة إلى الأطراف الأخرى الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، مفادها أن إيران لن تسمح بتغيير الوضع القائم في سوريا بالقوة، وأنها مستعدة للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل.
• التخفيف من الضغوط الداخلية: تواجه إيران ضغوطاً داخلية متزايدة بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح. قد تكون التصريحات حول سوريا محاولة لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية، وتوحيد الصفوف حول قضية خارجية.

التداعيات المحتملة

تصريحات وزير الخارجية الإيراني يمكن أن يكون لها تداعيات عديدة على الوضع في سوريا والمنطقة:

• زيادة التوتر الإقليمي: التصريحات قد تزيد من التوتر بين إيران وخصومها الإقليميين، خاصة إسرائيل وتركيا، اللتين تتهمان إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ودعم الإرهاب.
• تعقيد الحل السياسي: التحذير من الحرب الأهلية والتقسيم قد يعقد جهود الحل السياسي، ويزيد من صعوبة التوصل إلى توافق بين الأطراف المختلفة.
• تأخير عودة اللاجئين: استمرار عدم الاستقرار السياسي والأمني في سوريا قد يؤخر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ويزيد من معاناتهم.
• تفاقم الأزمة الإنسانية: أي تصعيد للعنف في سوريا سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وزيادة عدد المحتاجين إلى المساعدة.

الخلاصة

تصريحات وزير الخارجية الإيراني حول الوضع في سوريا تعكس قلقاً حقيقياً من مستقبل البلاد، وتحمل تحذيراً من خطر اندلاع حرب أهلية جديدة وتقسيم محتمل. هذه التصريحات تأتي في سياق إقليمي ودولي معقد، وتستهدف حماية المصالح الإيرانية في سوريا والتأثير على مسار المفاوضات السياسية. من المهم أخذ هذه التصريحات على محمل الجد، والعمل على تجنب السيناريوهات الأسوأ من خلال تعزيز الحوار السياسي، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتوفير المساعدة الإنسانية للمحتاجين. يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في دعم الحل السياسي في سوريا، ومنع انزلاق البلاد إلى حرب جديدة قد تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة والعالم.