السويداء مجددا على صفيح ساخن التوتر يعود رغم إعلان وقف إطلاق النار
السويداء مجددا على صفيح ساخن: التوتر يعود رغم إعلان وقف إطلاق النار
رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=0aL6qbFr7HI&pp=0gcJCc0JAYcqIYzv
تعيش محافظة السويداء في جنوب سوريا وضعاً متأزماً ومتقلباً، يصفه الكثيرون بأنه على صفيح ساخن. فبالرغم من إعلانات وقف إطلاق النار المتكررة، تعود التوترات والصراعات لتطل برأسها مجدداً، مخلفة وراءها قتلى وجرحى، وتزيد من حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها السكان. الفيديو المذكور أعلاه يسلط الضوء على هذه الأوضاع المضطربة، ويحاول تحليل الأسباب الكامنة وراء تجدد العنف، وتأثير ذلك على مستقبل المحافظة وأهلها.
لفهم الأوضاع في السويداء، يجب أولاً إلقاء نظرة على تاريخ المحافظة وتركيبتها السكانية. السويداء محافظة ذات أغلبية درزية، وتتميز بهويتها المستقلة ونسيجها الاجتماعي المتماسك. لطالما حافظت المحافظة على استقلاليتها النسبية عن سلطة الدولة المركزية، حتى في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد. ومع ذلك، فإن هذه الاستقلالية النسبية لم تمنع المحافظة من التأثر بالأحداث والتطورات التي شهدتها سوريا خلال العقود الأخيرة.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذت السويداء موقفاً محايداً نسبياً في بداية الأمر. رفضت المحافظة الانخراط في القتال الدائر بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، وسعت إلى الحفاظ على أمنها واستقرارها الداخلي. ومع ذلك، لم تستطع المحافظة النأي بنفسها عن الصراع الدائر، وسرعان ما وجدت نفسها متورطة فيه بشكل أو بآخر.
أحد الأسباب الرئيسية لتورط السويداء في الصراع هو تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. فالحرب أدت إلى انهيار الاقتصاد السوري، وتسبب ذلك في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ونقص حاد في السلع الأساسية. تضرر سكان السويداء بشدة من هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، مما أدى إلى زيادة حالة الغضب والإحباط بين الشباب، ودفعهم إلى البحث عن طرق أخرى لكسب لقمة العيش، بما في ذلك الانخراط في الجماعات المسلحة.
سبب آخر لتدهور الأوضاع في السويداء هو انتشار السلاح والجماعات المسلحة. فالحرب أدت إلى انتشار السلاح بشكل كبير في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك محافظة السويداء. وسرعان ما تشكلت العديد من الجماعات المسلحة في المحافظة، بعضها يتبع للنظام، وبعضها يتبع للمعارضة، وبعضها الآخر يتبع لأجندات خاصة. هذه الجماعات المسلحة تتنافس على النفوذ والسيطرة في المحافظة، وغالباً ما تتورط في اشتباكات وعمليات قتل وخطف، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار والفوضى.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني السويداء من مشكلة تفاقم الجريمة المنظمة. فالحرب أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية والقضائية في سوريا، مما سمح للجريمة المنظمة بالانتشار والازدهار. تنشط في السويداء العديد من عصابات الجريمة المنظمة، التي تعمل في تهريب المخدرات والسلاح والبشر، وفي عمليات الابتزاز والخطف والقتل. هذه العصابات تستغل حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المحافظة لتحقيق مكاسب شخصية، وتزيد من حالة الخوف والرعب بين السكان.
لا يمكن إغفال دور التدخلات الخارجية في تأجيج الصراع في السويداء. فالعديد من الدول الإقليمية والدولية لها مصالح متضاربة في سوريا، وتسعى إلى تحقيق هذه المصالح من خلال دعم أطراف مختلفة في الصراع. بعض هذه الدول تدعم النظام، وبعضها يدعم المعارضة، وبعضها الآخر يدعم جماعات مسلحة متطرفة. هذه التدخلات الخارجية تزيد من تعقيد الوضع في السويداء، وتجعل من الصعب التوصل إلى حل سلمي للصراع.
بالنظر إلى هذه الأسباب المتعددة والمتشابكة، يصبح من الواضح لماذا تعود التوترات والصراعات إلى السويداء مجدداً، على الرغم من إعلانات وقف إطلاق النار المتكررة. فمجرد وقف إطلاق النار لا يكفي لحل المشكلة. يجب معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية، وانتشار السلاح والجماعات المسلحة، وتفاقم الجريمة المنظمة، والتدخلات الخارجية.
ما هو الحل إذاً؟ الحل يكمن في تحقيق مصالحة وطنية شاملة، تشارك فيها جميع الأطراف المعنية. يجب على جميع الأطراف أن تتخلى عن العنف، وأن تجلس إلى طاولة المفاوضات، وأن تتفق على حل سياسي للأزمة السورية. يجب أن يكون هذا الحل السياسي قائماً على احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمساواة بين جميع المواطنين. يجب أن يتضمن هذا الحل أيضاً برنامجاً شاملاً لإعادة الإعمار والتنمية، يهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان، وتوفير فرص عمل للشباب، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً فعالاً في دعم جهود المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار. يجب على المجتمع الدولي أن يقدم المساعدة المالية والتقنية اللازمة، وأن يضغط على جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية. يجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يحاسب المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
في الختام، يمكن القول إن الأوضاع في السويداء لا تزال متوترة وغير مستقرة. فبالرغم من إعلانات وقف إطلاق النار المتكررة، تعود الصراعات لتطل برأسها مجدداً. لحل هذه المشكلة، يجب معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، ودعم جهود إعادة الإعمار والتنمية. يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً فعالاً في دعم هذه الجهود، والضغط على جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية. مستقبل السويداء وأهلها يعتمد على تحقيق هذه الأهداف.
مقالات مرتبطة