الاحتجاجات تنتشر من العاصمة إلى المدن الأخرى جورجيا على صفيح ساخن بسبب الاتحاد الأوروبي
جورجيا على صفيح ساخن: احتجاجات تعم البلاد بسبب الاتحاد الأوروبي
يشهد الشارع الجورجي منذ أسابيع حراكاً شعبياً غير مسبوق، تصاعدت وتيرته بشكل ملحوظ وانتقلت شراراته من العاصمة تبليسي إلى مختلف المدن والقرى. الشرارة التي ألهبت هذا الحراك هو مشروع قانون العملاء الأجانب، الذي يعتبره الكثيرون نسخة طبق الأصل من قانون مماثل تستخدمه روسيا لقمع المعارضة وتقويض حرية التعبير. هذا القانون، الذي يفرض على المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج التسجيل كـ عملاء أجانب، أثار موجة غضب عارمة في صفوف المجتمع المدني والشباب الجورجي، الذين يرون فيه تهديداً مباشراً لمستقبل بلادهم الديمقراطي ومساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
الفيديو المنشور على اليوتيوب تحت عنوان الاحتجاجات تنتشر من العاصمة إلى المدن الأخرى جورجيا على صفيح ساخن بسبب الاتحاد الأوروبي (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=587s75z-ftI) يقدم صورة حية وواقعية لهذه الاحتجاجات، ويعكس مدى الغضب الشعبي والاستياء من السياسات الحكومية. الفيديو يظهر حشوداً غفيرة من المتظاهرين في الشوارع، يهتفون بشعارات تطالب بإسقاط القانون ويدعون إلى الوحدة الوطنية لحماية مستقبل جورجيا الأوروبي. كما يوثق الفيديو اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشود، مما أدى إلى إصابة واعتقال العديد من المتظاهرين.
الأزمة الجورجية الحالية ليست مجرد صراع على قانون، بل هي تعبير عن صراع أعمق حول الهوية الوطنية والتوجهات المستقبلية للبلاد. فمنذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، سعت جورجيا إلى التقارب مع الغرب وتبني القيم الديمقراطية. وقد تجسد هذا التوجه في مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). إلا أن هذا التوجه يواجه معارضة قوية من قبل قوى داخلية مدعومة من روسيا، تسعى إلى إعادة جورجيا إلى الفلك الروسي وتقويض استقلالها وسيادتها.
قانون العملاء الأجانب يمثل بالنسبة للعديد من الجورجيين خطوة إلى الوراء نحو الحقبة السوفيتية، حيث كانت الدولة تفرض رقابة صارمة على المجتمع المدني وتخنق أي صوت معارض. وهم يرون فيه أيضاً محاولة لتقويض الجهود المبذولة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، وعرقلة مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فالقانون يتعارض بشكل صريح مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي، والتي تشدد على حرية التعبير وحرية التجمع وحرية عمل المنظمات غير الحكومية.
ردود الفعل الدولية على الأزمة الجورجية كانت قوية ومنددة بالقانون. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أعربت عن قلقها العميق إزاء تأثير القانون على الديمقراطية وحقوق الإنسان في جورجيا، وحذرت من أنه قد يعرقل مساعي البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما دعا الاتحاد الأوروبي الحكومة الجورجية إلى التراجع عن القانون والالتزام بالقيم والمبادئ الديمقراطية.
الأزمة الجورجية تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه الدول الواقعة في منطقة نفوذ روسيا، والتي تسعى إلى التحرر من هيمنة موسكو وتبني القيم الديمقراطية. هذه الدول تواجه ضغوطاً هائلة من روسيا، التي تستخدم مختلف الأدوات – بما في ذلك الدعم المالي والسياسي للقوى الموالية لها، والتدخل في الانتخابات، والتهديد باستخدام القوة العسكرية – لعرقلة مساعيها للتقارب مع الغرب. الأزمة الجورجية هي تذكير بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست مضمونة، وأنها تتطلب نضالاً مستمراً من قبل المجتمع المدني والقوى الديمقراطية.
مستقبل جورجيا لا يزال غير واضح. الحكومة الجورجية، بقيادة حزب الحلم الجورجي، تصر على أنها تعمل من أجل مصلحة البلاد وأن القانون ضروري لحماية الأمن القومي ومنع التدخل الأجنبي. إلا أن المعارضة والمجتمع المدني يتهمان الحكومة بالانحياز إلى روسيا وتقويض الديمقراطية. من المرجح أن تستمر الاحتجاجات في جورجيا، وأن تزداد حدتها في حال أصرت الحكومة على تمرير القانون. مصير جورجيا سيتوقف على قدرة المجتمع المدني والقوى الديمقراطية على الصمود في وجه الضغوط الداخلية والخارجية، والحفاظ على التزامها بالقيم والمبادئ الديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاحتجاجات ليست معزولة، بل هي جزء من سياق أوسع من الحراك الشعبي والدعوات إلى الديمقراطية التي تشهدها المنطقة. فالعديد من الدول في أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز تواجه تحديات مماثلة، وتسعى إلى التحرر من هيمنة روسيا وتبني القيم الديمقراطية. هذه الدول بحاجة إلى دعم قوي من الغرب لمساعدتها على تحقيق أهدافها وحماية استقلالها وسيادتها.
في الختام، الأزمة الجورجية هي اختبار حقيقي للديمقراطية في البلاد، ولمصداقية الاتحاد الأوروبي في دعم الدول التي تسعى إلى الانضمام إليه. من الضروري أن يقف المجتمع الدولي إلى جانب الشعب الجورجي في نضاله من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن يضغط على الحكومة الجورجية للتراجع عن القانون والالتزام بالقيم والمبادئ الديمقراطية. مستقبل جورجيا الأوروبي على المحك.
مقالات مرتبطة