خلافات بين نتنياهو وغالانت وتصاعد الاحتجاجات الشعبية لعقد صفقة تبادل أسرى مع حماس
خلافات بين نتنياهو وغالانت وتصاعد الاحتجاجات الشعبية لعقد صفقة تبادل أسرى مع حماس
يشهد المجتمع الإسرائيلي حالة من التوتر المتصاعد والتحولات العميقة على خلفية الحرب المستمرة في قطاع غزة، والتي بدأت في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر. تتجلى هذه التحولات في عدة جوانب، أبرزها الخلافات العلنية بين القيادات السياسية والعسكرية، وتحديداً بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بالإضافة إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بعقد صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة. هذا المقال سيتناول هذه الجوانب بالتفصيل، مع تحليل الأسباب الكامنة وراءها وتداعياتها المحتملة على مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومسار الحرب.
الخلافات بين نتنياهو وغالانت: صدع في جدار الوحدة
لم تعد الخلافات بين بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت مجرد همسات في أروقة السلطة، بل تحولت إلى مواجهات علنية تتصدر عناوين الأخبار. هذه الخلافات تعكس رؤى متباينة حول كيفية إدارة الحرب وتحقيق أهدافها، وكذلك حول الأولويات الاستراتيجية لإسرائيل في المرحلة الراهنة والمستقبلية. من أبرز النقاط الخلافية بينهما:
- إدارة الحرب في غزة: يرى غالانت أن هناك حاجة إلى استراتيجية أكثر وضوحاً لما بعد الحرب في غزة، مع التركيز على الحفاظ على الأمن الإسرائيلي ومنع عودة حماس إلى السلطة، لكنه يختلف مع نتنياهو حول الآلية الأفضل لتحقيق ذلك. بينما يركز نتنياهو على تحقيق النصر المطلق على حماس، يشدد غالانت على ضرورة وجود حلول سياسية ودبلوماسية تضمن استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة.
 - صفقة تبادل الأسرى: غالانت يبدو أكثر انفتاحاً على التفاوض مع حماس والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى تضمن عودة المحتجزين الإسرائيليين، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات مؤلمة. في المقابل، يتهم نتنياهو بأنه يماطل في المفاوضات ويضع شروطاً تعجيزية تعرقل التوصل إلى اتفاق، وذلك بسبب اعتبارات سياسية وشخصية تتعلق ببقائه في السلطة.
 - مستقبل قطاع غزة: يختلف الرجلان حول الجهة التي ستتولى إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. يفضل غالانت وجود سلطة فلسطينية معدلة أو قوة عربية دولية تشرف على القطاع، بينما يصر نتنياهو على ضرورة الحفاظ على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة لفترة طويلة الأمد، وهو ما يثير مخاوف دولية وإقليمية من استمرار الاحتلال وتأجيج الصراع.
 - العلاقات مع الولايات المتحدة: تباينت وجهات النظر بين نتنياهو وغالانت حول كيفية التعامل مع الضغوط الأمريكية المتزايدة لإنهاء الحرب والتوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية. يبدو غالانت أكثر استعداداً للاستماع إلى المطالب الأمريكية وتجنب التصعيد مع الإدارة الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على الحفاظ على استقلالية القرار الإسرائيلي وعدم الاستسلام للإملاءات الخارجية.
 
هذه الخلافات المتزايدة بين نتنياهو وغالانت تقوض الثقة في الحكومة الإسرائيلية وتضعف قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الحرب في غزة. كما أنها تثير تساؤلات حول مستقبل الائتلاف الحكومي الحالي وإمكانية انهياره في ظل هذه الانقسامات العميقة.
تصاعد الاحتجاجات الشعبية: صرخة من أجل الأسرى
بالتزامن مع الخلافات السياسية والعسكرية، يشهد المجتمع الإسرائيلي تصاعداً في الاحتجاجات الشعبية المطالبة بعقد صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس. هذه الاحتجاجات تعبر عن الغضب والإحباط المتزايدين لدى عائلات المحتجزين الإسرائيليين، الذين يعيشون في حالة من القلق والخوف على مصير أبنائهم وبناتهم. من أبرز مظاهر هذه الاحتجاجات:
- المظاهرات والاعتصامات: تنظم عائلات المحتجزين والمتضامنون معهم مظاهرات واعتصامات يومية أمام مقر إقامة نتنياهو والكنيست الإسرائيلي، للمطالبة ببذل المزيد من الجهود لإعادة المحتجزين. هذه المظاهرات غالباً ما تشهد مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الإسرائيلية.
 - الحملات الإعلامية: تطلق عائلات المحتجزين حملات إعلامية مكثفة عبر وسائل الإعلام المختلفة، بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية للتفاوض مع حماس. هذه الحملات تتضمن نشر صور وأسماء المحتجزين، وعرض قصصهم المؤثرة، وتوجيه رسائل مباشرة إلى نتنياهو وبقية أعضاء الحكومة.
 - عرقلة حركة المرور: يقوم نشطاء ومتظاهرون بعرقلة حركة المرور في الشوارع الرئيسية والطرق السريعة، بهدف لفت الانتباه إلى قضية الأسرى والضغط على الحكومة. هذه الأساليب الاحتجاجية تثير غضب واستياء جزء من الجمهور الإسرائيلي.
 - التوجه إلى المحكمة العليا: رفعت عائلات المحتجزين دعاوى قضائية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، تطالب بإلزام الحكومة بالتفاوض مع حماس والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. هذه الدعاوى القضائية تمثل تحدياً قانونياً وسياسياً للحكومة الإسرائيلية.
 
هذه الاحتجاجات الشعبية تعكس تزايد الضغط على نتنياهو وحكومته لتقديم تنازلات من أجل إعادة المحتجزين. كما أنها تكشف عن انقسام عميق في المجتمع الإسرائيلي حول الأولويات الوطنية، بين تحقيق النصر المطلق على حماس وإعادة الأسرى.
التداعيات المحتملة: مستقبل غير مؤكد
الخلافات بين نتنياهو وغالانت وتصاعد الاحتجاجات الشعبية لعقد صفقة تبادل أسرى مع حماس تحمل تداعيات محتملة على مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومسار الحرب في غزة، أبرزها:
- انهيار الائتلاف الحكومي: قد تؤدي الخلافات المتزايدة بين نتنياهو وغالانت إلى تفكك الائتلاف الحكومي الحالي والدعوة إلى انتخابات مبكرة. هذا السيناريو يبدو مرجحاً في ظل عدم وجود توافق في الرؤى والأهداف بين قادة الائتلاف.
 - تغيير في الاستراتيجية العسكرية: قد تضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية في غزة، والتركيز على تحقيق أهداف محدودة وقابلة للتحقيق، بدلاً من السعي إلى النصر المطلق. هذا التغيير قد يتضمن تخفيف الضغط العسكري على غزة، والتركيز على حماية الحدود الإسرائيلية ومنع تكرار عمليات مثل طوفان الأقصى.
 - صفقة تبادل أسرى: قد تنجح الضغوط الشعبية والسياسية في إجبار الحكومة الإسرائيلية على التفاوض مع حماس والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. هذا السيناريو يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة من الجانب الإسرائيلي، ولكنه قد يكون ضرورياً لإنهاء الحرب وإعادة المحتجزين.
 - تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة: قد تتدهور العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في حال استمرار نتنياهو في تجاهل المطالب الأمريكية ورفض التوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية. هذا التدهور قد يؤدي إلى تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل وفرض عقوبات عليها.
 - تصاعد العنف: قد يؤدي استمرار الحرب في غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية إلى تصاعد العنف في المنطقة، وانزلاقها إلى حرب إقليمية أوسع. هذا السيناريو يشكل تهديداً خطيراً على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
 
في الختام، الوضع في إسرائيل يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. الخلافات السياسية والعسكرية، والاحتجاجات الشعبية، والضغوط الدولية، كلها عوامل تتداخل وتؤثر على مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومسار الحرب في غزة. يبقى السؤال: هل ستتمكن إسرائيل من تجاوز هذه الأزمة والخروج منها بحلول تضمن أمنها واستقرارها، أم أنها ستنزلق إلى مزيد من الفوضى والصراع؟
مقالات مرتبطة